واخيرا تكلم نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل في خطاب شهير انتظره العالم على مدى اسبوع كامل. ويبدو ان نتنياهو قد فتح قلبه فتكلم بصراحة عنصرية لم نألفها من رؤساء وزارات اسرائيل السابقين الذين كانوا يستعملون الفاظا دبلوماسية خبيثة تؤكد حرصهم على السلام وعلى اعطاء الفلسطينيين حقوقهم واعطائهم دولة مستقلة كما ورد في اتفاق اوسلو سيء السمعة.. الذي جعلنا نستجدي جزءا من وطننا ولا نحصل عليه..، تكلم نتنياهو باسلوب واضح بعيدا عن الضبابية او الدبلوماسية فكانت كلماته سهاما موجهة الى صدور كل من صدق مؤتمرات السلام. لقد اطلق نتنياهو طلقة الرحمة لقتل كل من تفاوض على بيع فلسطين سواء بحسن نية او بسوء نية فلا فرق.. ونحن بانتظار الملاحق السرية لهذا الخطاب فهو لم ينته بعد.
وابتهج العرب المساكين بقدوم رئيس جديد للولايات المتحدة الامريكية لان لونه اسود وكأنه اذا تغير لونه سوف يحمل سيفا ضد اسرائيل احقاقا لحق الفلسطينيين.. ولكن يا حسره نحن مساكين لا نستحق سيفا بل نستحق قلبا عطوفا يرثي لحالنا..، فقد نسينا قوة السيف واصبحنا نستعمله للرقص به بدلا من استرجاع حقوقنا التاريخية به.
فمهما كان لون الرئيس الامريكي فان اسرائيل في العقيدة الامريكية السياسية والدينية فهي العهد القديم في الكتاب المقدس ويجب المحافظة عليها قوية بل اقوى دولة في المنطقة كلها فهي تنتج القنابل النووية بمباركة امريكا مع معونات تقنية ومالية ايضا.. ويجب ان نتذكر ان الرئيس الامريكي ترومان الذي قال قولته الشهيرة.. ان اسرائيل وجدت لتبقى..، فهل لنا ذاكرة تحفظ التاريخ..؟
لقد تكلم نتنياهو بدون غموض مؤكدا ما ورد في التوراة وبروتوكولات حكماء صهيون ذكرنا باقوال صقور الصهاينة في القرن الماضي.. فلم يكن خطابه عنصريا صهيونيا يفيض بالكراهية والبغضاء والحقد الاعمى فحسب بل كانت كلماته متغطرسة يملي علينا اوامره بكل وقاحة. وقد وجه صفعة جارحة الى الوجوه التي تبتسم له وتعانقه في المفاوضات الهزلية. فهو يمن علينا بدويلة للفلسطينيين بحسب اوامره دويلة بدون جيش منزوعة السلاح. واما حق العودة فليس له وجود واما القدس فهي العاصمة الابدية لاسرائيل ويؤثم من يتحدث عنها اما فلسطين فقد اصبحت تسمى اسرائيل وهي دولة يهودية يجب الاعتراف بيهوديتها..،
هذه اهم توجهات السيد نتنياهو ومن حقنا ان نرد عليه بالاتي:
1 ـ دويلة فلسطينية منزوعة السلاح وبلا سيادة: ـ ان السيد نتنياهو اصبح المندوب السامي الذي ينفذ تعليمات الرب يهوه الذي يؤمن به اليهود فقد ورد في التوراة ـ سفر الخروج اصحاح 33 ما يلي:
(من البرية الى النهر فاني اسلم الى ايديك سكان الارض فتطردهم من امام وجهك لا تقطع لهم ولا لآلهتهم عهدا ولا يقيموا في ارضك). اوامر واضحة ينفذها نتنياهو بدقة فيطرد الفلسطينيين ويسمح لهم بدويلة بدون حدود وتكون منزوعة السلاح وبدون سيادة ايضا ولا يسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم فهي اصبحت ارض اسرائيل واصحاب الارض غرباء بحسب القاموس الصهيوني. نتنياهو يعتقد ان هذا كرم منه فاسرائيل تملك اقوى جيش في المنطقة مما يزيده غطرسة فيفرض افكاره ومعتقداته العنصرية المتطرفة البالية على العرب وعلى الدنيا كلها. ويبدو ان ذاكرته معطلة فقد نسي الهزيمة المنكرة للجيش الاسرائيلي في لبنان سنة 2006 من اسود حزب الله.. ومن جهة ثانية فقد نسي ان الجيش الاسرائيلي استمر يحارب مدينة غزة هاشم الباسلة 22 يوما ولم يستطع ان يحتلها بالرغم من انه استخدم احدث الطائرات الامريكية لتقصف المدنيين بقنابل الفسفور الابيض واليورانيوم المخضب والصواريخ وجميع انواع الاسلحة المحرمة التي في الترسانة الاسرائيلية لقتل المستشفيات وسيارات الاسعاف وتدمير المدارس والمنازل اي تدمير البشر والشجر والحجر ولكن الابطال لم يستسلموا واستشهدوا وهم وقوفا اما الاعتداءات البربرية الاسرائيلية فسقطت اكذوبة الجيش الذي لا يقهر. ونصب ابناء غزة هاشم الخيام ولم تستطع اسرائيل طردهم من وطنهم.
نتناهو لم يجد شيئا جديدا في قاموس العنصرية والتطرف الاسرائيلي يقذف به من صافحوه فقام بترديد اقوال الحاخام الارهابي مائير كاهانا وهي:
«ان وجود الغرباء من غير اليهود في هذه الارض هو رمز لانكار سيادة الخالق» «ومقدرته على الارض كما يشاء وان اعظم تدنيس لاسم الرب هو انكار هؤلاء» «الغرباء لحق اليهود في هذه الارض اي انكار سيادة الرب الذي خصص ارضا» «معينه لشعب معين».
2 ـ اما القدس الشريف: فلا تنازل عنها ولا مفاوضات حولها ولا اقتراب منها فهي العاصمة الموحدة الابدية لدولة اسرائيل ، فهو يصدر اوامره وكأنه يعيش في العصر الحجري عصر الخرافات الصهيونية.. فقد ورد في التوراة: انت يا اورشاليم عاصمة الدنيا وسوف يأتيك الملوك من كل حدب وصوب.، وقد قال مناحيم بيغن: ان اورشاليم كانت عاصمة للشعب اليهودي لاكثر من الف سنة فلا يحق لاحد أن يطلب من اسرائيل التفاوض بشأن اي جزء من اورشاليم ولا بأي ظرف من الظروف تماما مثلما لا يجوز أن نطلب من الامريكيين التفاوض على واشنطن ومن الانجليز التفاوض على لندن ومن الفرنسيين التفاوض على باريس.
ان ردنا على السيد نتنياهو ان القدس مدينة عربية ومصيرها محسوم فان تحرير القدس الشريف يقين ما بعده يقين واهل القدس فيها منذ تأسيسها ، اما المضحك في نظرة نتنياهو الى القدس هو تكرار كلمة القدس عاصمة اسرائيل الموحدة والى الابد ، فكلمة الى الابد تكررت كثيرا حتى ذكرتنا بالحسناء الالمانية (ايفا براون) التي كانت عشيقة هتلر حيث اهدت هتلر يوما سكينا من الذهب لفتح الرسائل ومنقوش عليها حبيبتك الى الابد ، ايفا فمن تعلم من الاخر كلمة الى الابد..؟ ايفا براون ام نتنياهو..؟
ومهما كان الجواب فان هذا الاصطلاح لم يصمد كثيرا فهزمت المانيا. وانتحرت ايفا براون..، وطارت كلمة الى الابد واصبحت من الذكريات الطريفة للترفيه.
3 ـ اما يهودية دولة اسرائيل والطلب من الفلسطينيين الاعتراف بها بهذه الصفة:
لقد اصر نينياهو على يهودية دولة اسرائيل فهل يشك هو نفسه في ذلك..؟ فيطلب من الفلسطينيين تأكيد هذه الصفة..؟ امرعجيب فعلا فان اهل مكة ادرى بشعابها ، ويجب ان يكون سكان اسرائيل ادرى الناس بيهوديتهم ولكن علامات الاستفهام تدور حول الاسرائيلين وهل هم يهود ام لا..؟ خاصة وانهم قدموا من بولندا ورومانيا وروسيا وكلها بلاد كانت لا تؤمن بديانات الهية. واما الفلاشا فهم من الحبشة والاسرائيليون انفسهم رفضوا اقامتهم معهم فالفلاشا ليس لهم علاقة باليهود لا من قريب ولا من بعيد فهم كانوا يعانون من المجاعة والمرض والفقر في الحبشة وعندما عرضت اسرائيل عليهم الحضور الى اسرائيل بادروا فورا بالرغم من انهم ليسوا يهودا ولا يعرفون اللغة العبرية. فهذا الطلب مدعاة الى السخرية ، وهو طلب بدون لون او رائحة.
نتنياهو لم يثق بالقوانين الاسرائيلية حول يهودية الدولة مثل القانون الصادر سنة 1950 وهو قانون لم شمل اليهود والقانون الصادر سنة 1952 الذي اكد حق كل يهودي في ان يكسب الجنسية الاسرائيلية وبدون شروط فهي هبة من الله لبني اسرائيل ، هذه القوانين وامثالها لا تفيد اليهود لانها مبنية على اوهام ولعل صقور الصهيونية نادوا بها قبل صدورها فان زئيف جابوتنسكي كان دائما يبشر اليهود بقرب انشاء دولة يهودية في ارض اسرائيل ، الا ان الظلم لن يدوم والاستعمار مهما طال زمانه فهو الى زوال وعلى نتنياهو والذين جاءوا معه الى فلسطين ان يرحلوا عنها ولن يجديهم مساعدة امريكا او غيرها فان الاستعمار والاحتلال قد انتهى زمانهم لمن يريد ان يعيش بسلام حقيقي ، واخيرا هل كانت سهام نتنياهو كافية لاقناع المغامرين الذين ركضوا خلف سراب السلام مع اسرائيل..؟ ترى هل يتذكرون قوافل الشهداء والجرحى..؟ ويتذكرون الاسرى في سجون اسرائيل..؟ استيقظوا يا من تهرولون الى المفاوضات.. فان ما اخذ بالقوة لا يسترد بالمفاوضات.
Commenti