القدس كنز سماوي اهداه الله الى عباده ، خاصة المؤمنين منهم. فهي مدينة مقدسة ، عند جميع اتباع الديانات السماوية ، بدون منازعة من احد. الا ان هذه القدسية التي تحيط بهذه المدينة العظيمة جعلتها محل صراع دموي ، بصفة مستمرة ، على مر الزمن ، فالانسان يعجب اذا نظر نظرة عميقة ، فلا يجد سببا لهذا التناقض ، فان مدينة السلام ، وزهرة المدائن ، اصبحت مدينة الحروب ، على مجرى التاريخ ، قديما وحاضرا.
يزعم حاخامات اليهود ان القدس "اورشليم" بالنسبة لليهود ، تستند على علاقة الله بالارض. وعلى علاقة الله بشعب اسرائيل. بحسب الديانة اليهودية ، فان ملكية القدس "اورشليم" تستند على مسلمة الهية قدرية ، ينفذها على الارض ، شعب الله المختار ، بامر لا مرد له ولا انحياز عنه.
فعند اليهود ، اقتناع راسخ هو لا قيمة لكيان اسرائيل ، بدون القدس "اورشليم" ، ولا قيمة للقدس "اورشليم" بدون شعب الله المختار ، ولا قدس "اورشليم" دون هيكل سليمان. فالقدس هي العاصمة الموحدة ، الابدية ، لدولة اسرائيل كما يردد زعماؤها. فهذه قضية محسومة في نظرهم ، من قديم الزمان. فهم يعتقدون ان القدس "اورشليم" ، مقدس نفسي ووجداني ، اضافة الى المقدس التاريخي المتواصل والمترسخ في العقل اليهودي. فاليهود يعتقدون انهم مقيمون ، في القدس "اورشليم" ، بدون انقطاع سواء أكان هذا الوجود حقيقيا ، ام خياليا ، اي في قلوبهم فقط. وهذا يبين لنا مدى ارتباط اليهود بالقدس "اورشليم" فهي مسألة شائكة ، شديدة التعقيد ، ولا يوجد لها سوى حل واحد لا ثاني له ، وهو بقاء القدس "اورشليم" تحت السيطرة الاسرائيلية.
ان اكثر ما تخشاه اسرائيل ، هو بروز التيارات الاسلامية ، لانها ترى ان الصراع على القدس "اورشليم" ، هو صراع ديني عقائدي ، متشدد يصل الي درجة التطرف ، من كلا الطرفين. وهي تخشى ذلك: لان الصراع العسكري او السياسي ، له نهاية ، ربما بالمفاوضات او حلول وسط. بعكس الصراع الديني ، فهو ليس له نهاية ، الا بانتصار احد الطرفين المتنازعين. فهو ارتباط الهي او ارتباط سماوي ، مدعوم من جهات خارجة عن النطاق البشري. فهو مبارك من السماء ، فلا بد للمؤمن ان يضحي ، بكل شيء: ابتغاء مرضاة الخالق ، حتى لو كان هذا يشمل التضحية بالنفس والمال ، بل وبكل شيء. فإما النصر او الشهادة.
لذلك كانت الترنيمة اليهودية ، او الصلاة اليهودية ، التي يصلونها كل صباح ، "شلت يميني ان نسيتك يا اورشليم". هذه الترانيم جزء من التراث الفولكلوري اليهودي ، ولكن لا بأس من ترديدها او استعمالها اذا لزم الامر ، ما دامت جسرا يمر عليه المال ، الي جيوب الاسرائيليين المقيمين في القدس "اورشليم". ويزداد الامر تعقيدا ، عندما نعلم ان اليهود ، يعتقدون بل يؤمنون ، بأن القدس "اورشليم" هي العاصمة الابدية لدولتهم ، التي وعدهم الله بها.
فقد ورد في التوراة ما يلي: "فظهر الرب لأبرام ، وقال له لنسلك ، اعطى هذه الارض". ونقف هنا امام عدة اسئلة ، حول هذا الموضوع الشائق والشائك ، في نفس الوقت واهمها ما يلي: ما هي الارض المباركة. وما هي حدودها. ولماذا يعطي الله قطعة ارض الي شعب معين من بين جميع الشعوب التي خلقها. ولماذا يأمر الله ابراهيم ، برفع قواعد الكعبة المشرفة في مكة المكرمة ولم يأمره ببناء بيت لعبادة الله ، في اي مكان اخر في العالم. وهل ابرام هو نفسه سيدنا ابراهيم ، خليل الرحمن. اسئلة كثيرة نتركها دون جواب ، لمن يرغب بالبحث،.
القدس محاطة بهالة من القدسية ، ليست لغيرها من المدن الاخرى في العالم ، واسرائيل لا تعترف الا بمفهومها التوراتي عن القدس "اورشليم" فقط ، وغير ذلك مضيعة للوقت. فالقدس "اورشليم" الكبرى هي التي تدور في مخيلة زعماء اسرائيل: باعتبارها العاصمة الموحدة ، والابدية لدولة اسرائيل ، فهي مدينة الرب يهوه ، وهي لليهود وحدهم ، من دون البشر ، او من دون اصحاب باقي الديانات السماوية: لان اليهود ببساطة شديدة ، ينكرونهم ويزعمون ان جميع الديانات السماوية باطلة ، وانهم وحدهم على صواب. لذلك لا نستغرب السيد بنيامين نتنياهو ، رئيس وزراء اسرائيل ، وهو يتكلم من المنطق الديني التوراتي ، عن القدس فيقول: "القدس اورشليم ، تشمل القدس الغربية ، والقدس الشرقية ، ايضا والمسجد الاقصى وحائط البراق ، ومدينة داوود ، فقد كانت تلك عاصمة ، الشعب اليهودي لاكثر من الف سنه ، وتشكل اليوم مركز الطموح للشعب اليهودي ، في سبيل العودة الي ارض اسرائيل ، وبعثها من جديد ، لذا يجب الا يطلب من اسرائيل ، التفاوض بشأن اي جزء من القدس "اورشليم" ولا بأي ظرف من الظروف ، تماما مثلما لا يجوز ان نطلب من الامريكيين ، التفاوض على واشنطن ، ومن الانجليز ، التفاوض على لندن ، ومن الفرنسيين ، التفاوض على باريس"،. كتاب( مكان تحت الشمس).
هذه هي القدس العربية في نظر اسرائيل ، ما يجعلنا نقول للمفاوضات وداعا.
コメント